المعنى الخاص.
لغة.
يعرّفها جميل صليبا في معجمه الفلسفي لغة بالقول:" لفظة فلسفة (Philosophie) مشتق من اليونانية وأصله ( فيلو( Philo) – صوفيا(Sophie ) )، ومعناه محبة الحكمة. ويطلق على العلم بحقائق الأشياء، والعمل بما هو أصلح"2[1] ، وأوّل من إستخدم هذه الكلمة هو الفيلسوف فيثاغورس، إلاّ أنّه ينفي صفة الحكمة عن الإنسان وقال بأنّه محب للحكمة فقط، لأنّ الحكمة صفة من صفات الآلهة، ومن بين ما تشير إليه الحكمة في العربية:" النظر الصحيح والعمل المتقن وصواب الأمر وسداده ووضع الشيء في موضعه"3[2] ، كما يصف القرآن الكريم الحكمة بأنّها "خير" فيقول الله تعالى:" يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يتذكر إلاّ أولوا الألباب "4[3] .
إصطلاحا.
عند اليونان:
أفلاطون يعرّفها بقوله:" الفلسفة هي العلم بالحقائق المطلقة المستترة تحت ظواهر الأشياء"[4]5 ، والمقصود بهذا هو كون الفلسفة تمثّل الفكر المسؤول عن معرفة الحقيقة الموجودة وراء كل الأمور التي تبدو واضحة في ظاهرها، ولكن غامضة ومجهولة في باطنها.
عند العرب المسلمين:
ابن سينا يقول:" أنّها الوقوف على حقائق الأشياء كلها على قدر ما يمكن للإنسان أن يقف عليه"[5]6 ، أي أنّها الفكر الذي يبحث عن حقيقة الشيء في إطار الممكن، بمعنى في حدود إستعمال العقل وما يمكنه الوصول إليه من خلاله.
والمتأمّل في تعريف إبن سينا يلاحظ بأنّه قد إشترك مع أفلاطون حول كون الفلسفة العلم المسؤول عن الوصول لحقيقة الشيء، وذلك بسبب أنّه من أبرز مترجمي كتب الفلاسفة اليونان وبالتحديد كتب أفلاطون وأرسطو، إلّا أنّه أضاف إلى تعريفه ما يلائم البيئة الفكرية والمجال التداولي العربي الإسلامي، من خلال أنّ الفلسفة تقوم على إستعمال العقل، والعقل ميزة الإنسان للتأمّل في إبداع وصنع خالقه، وبالتالي هناك توافق بين الدين الإسلامي وبين الفلسفة التي تعتبر علما دخيلا على البيئة الفكرية العربية الإسلامية.
عند فلاسفة العصر الحديث:
رونيه ديكارت الفيلسوف الفرنسي الذي يشببها بالشجرة فيقول: "إنّ الفلسفة كلّها بمثابة شجرة جذورها الميتافيزيقا وجذعها الفيزياء، وغصونها المتفرعة عن هذا الجذع هي كل العلوم الأخرى وهي ترجع إلى ثلاثة رئيسية: وهي الطب، والميكانيكا والأخلاق. وأعني أسمى الأخلاق وأتّمها، وهذه هي أعلى درجات الحكمة، وتفترض معرفة كاملة بسائر العلوم"7[6] . وهنا يشير بوضوح للإسم الذي أطلق على الفلسفة قديما ولا يزال يستعمل حتى العصر الحالي والمتمثّل في " الفلسفة أم العلوم "، بالرغم من أنّ جميع العلوم إنفصلت عن الفلسفة في العصر الحديث أو كما سمي بعصر النهضة بداية من أواخر القرن 15م وأوائل القرن 16م إلى غاية القرن 19م مع آخر علم إستقل عنها وهو علم النفس، لتنتقل التسمية من " الفلسفة أم العلوم " إلى " فلسفة العلوم" أو " الإبستمولوجيا " والتي تعني أساسا الدراسة النقدية لنتائج العلم.
عند فلاسفة العصر المعاصر:
جيل دولوز وفيليكس غيتاري الفيلسوفان الفرنسيان الذين يعرّفانها بأنّها:" فن تكوين وإبداع وصنع المفاهيم"[7]8 ، بمعنى أنّ الواقع لا يتحدّد إلّا بتحديد المفاهيم المعبّرة عنه، وهذه المفاهيم تتغيّر وتصنع بشكل مستمر تماشيا مع تغيّر العصر، فتضحى الفلسفة بهذا الصدد فن يتأسّس على الإنسجام ويعبّر عن جدلية الفكر والواقع بالنسبة للإنسان.
من خلال المعنيين اللغوي والإصطلاحي للفلسفة ولدى الفلاسفة السابق ذكرهم يمكننا أن نقدّم تعريفا شاملا يبرز خصائص فعل التفلسف القائمة أساسا على التحليل ،السؤال والنقد، فنقول: أنّ الفلسفة هي تفكير تحليلي تساؤلي ونقدي مستمر ينطلق من الواقع وينتهي إليه بتغييره، أي أنّها إنتاج إنساني يتسّم بالعقلانية والمنهجية، في معالجة قضاياه ومشكلاته الوجودية والمعرفية والقيمية.