في مفهوم الفلسفة وعلاقتها بعلم التربية

مفهوم التربية من الإشتقاق اللغوي إلى الدلالات الإصطلاحية.

لغة.

بالبحث في أصل الكلمة، في معناها اللغوي نجد أنها مشتقة من الجذر اللاتينيEducation، أي مأخوذة من فعل السمو، ويعرّفها جميل صليبا في قوله:" تبليغ الشيء إلى كماله، أو هي كما يقول المحدثون تنمية الوظائف النفسية بالتمرين حتى تبلغ كمالها شيئا فشيئا، تقول: ربّيت الولد، إذا قوّيت ملكاته، ونمّيت قدراته، وهذّبت سلوكه، حتى يصبح صالحا للحياة. وتقول تربّى الرجل إذا أحكمته التجارب، ونشّأ نفسه بنفسه."[1]9

أمّا في معاجم اللغة العربية فنجدها مأخوذة من الفعل الرباعي، ربى فأصلها ربا، يربو، أي زاد ونما، وأربيته بمعنى نمّيته، وهنا نجد أن كلمة تربية لها ثلاث معان عند إبن منظور:" ربّى يربّي بمعنى أصلحه وتولّى أمره وساسه وقام عليه ورعاه، ربا يربو بمعنى نما وينمو، ربا يربي بوزن خفي، يخفي المعنى، نشأ وترعرع"[2]10 ، أي أنّ التربية عند العرب كانت تفيد معنى السياسة والقيادة والتنمية، وكان فلاسفة العرب يسمّون هذا الفن سياسة.

إصطلاحا.

ومن أشهر التعريفات الحديثة التي تناولت معنى التربية نذكر:

جون ديوي: أكّد بأنّ للتربية هدفا واحدا وهو تنمية الفرد الصالح ومنحه الخبرة الدائمة للتأقلم مع الحياة، وذلك في قوله:" إنّ التربية ينبغي أن يكون مفهومها في أذهان الناس هو أنّها عملية إعادة بناء الخبرات من جديد وبصفة دائمة مستمرة، وأنّ هدفها الذي تنشد تحقيقه، إنّما هو في الحقيقة شيء واحد"11[3] ، وهو ما سبقه إليه إيمانويل كانط الذي إعتبر التربية من أبرز المشكلات التي يعاني منها الإنسان، والتي يجب حلها وبواسطتها في حدّ ذاتها، إذ يقول: " التربية أهم وأصعب مشكلة تطرح على الإنسان، وبالفعل، فالأنوار تتوقف على التربية، كما أنّ التربية تتوقف على الأنوار"[4]12 ، ولهذا تعتبر اللبنة الأساسية التي تكوّن الفرد الصالح أسريا وإجتماعيا، والمواطن الصالح سياسيا.

إنّ التربية قدرة تتمثّل في التركيز على فعل النّمو والتطوّر عند الناشئ، مع ضرورة إمتلاك هذا الأخير القابلية والإستعداد لهذا النّمو والتطوّر للتأقلم مع الحياة وقضاياها، بمعنى أنّها " عملية سلوكية، إجتماعية حضارية، تتألّف في جوهرها من التعلّم القائم أصلا على الجهود الذاتية للمتعلّم، المتجلّية في تشكيل سلوكه، المؤدّية إلى تطوير شخصيته، وبالتالي مساهمته في تقدّم مجتمعه وتمكينه من المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية، وبهذه الصورة فهي عملية سلوكية وإجتماعية، غايتها القصوى خير الإنسان وخير المجتمع وخير الإنسانية جمعاء."13[5]

  1. جميل صليبا: المعجم الفلسفي، الجزء الأول، دار الكتاب اللبناني، لبنان ، 1978، ص 266.

    جميل صليبا: المعجم الفلسفي، الجزء الأول، دار الكتاب اللبناني، لبنان ، 1978، ص 266.

  2. ابن منظور محمد إبن مكرم: لسان العرب، مج 3، د،ط، دار المعارف، مصر، ص 1572.

    ابن منظور محمد إبن مكرم: لسان العرب، مج 3، د،ط، دار المعارف، مصر، ص 1572.

  3. جون ديوي: مدارس المستقبل، ترجمة: عبد الفتّاح المنياوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، د.ط، 1962، ص 39

    جون ديوي: مدارس المستقبل، ترجمة: عبد الفتّاح المنياوي، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، د.ط، 1962، ص 39

  4. إيمانويل كانط: تأمّلات في التربية/ ماهي الانوار؟/ ما التوجّه في التفكير؟، ترجمة: محمود بن جماعة، دار محمد علي للنشر، تونس، ط 1، 2005، ص 17.

    إيمانويل كانط: تأمّلات في التربية/ ماهي الانوار؟/ ما التوجّه في التفكير؟، ترجمة: محمود بن جماعة، دار محمد علي للنشر، تونس، ط 1، 2005، ص 17.

  5. أحمد الفنيش: أصول التربية، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ليبيا، ط1، 1991، ص 19.

    أحمد الفنيش: أصول التربية، الدار الجماهيرية للنشر والتوزيع والإعلان، ليبيا، ط1، 1991، ص 19.

سابقسابقمواليموالي
استقبالاستقبالاطبعاطبعتم إنجازه بواسطة سيناري (نافذة جديدة)