العلاقة بين الفلسفة والتربية:
إذا كانت الفلسفة هي ذلك المجهود أو النشاط الفكري الذي يحاول تفسير ظواهر وقضايا الكون والحياة من الجانب النظري بالإستناد إلى التحليل والمسائلة والممارسة النقدية، فإنّ التربية هي ذلك الجانب التطبيقي المساعد للجانب النظري عن طريق ترجمة هذه الظواهر والقضايا النظرية إلى جانب عملي سلوكي متمثّل في مجموعة من الإتّجاهات والقيم والمهارات السلوكية والعادات والتقاليد وأنماط التفكير، أي أنّ " الفلسفة هي عقل التربية وهي" الجانب النظري"، وإنّ التربية هي مضمار التجربة للفلسفة"14[1] ، وبالتالي فالعلاقة بينهما تلازمية لأنّهما يبحثان في موضوع واحد وهو المجتمع بكل ما فيه من قضايا وحيثيات، وهذه العلاقة بينهما " قد تمخّضت عن ولادة مولود جديد، حمل سمات الفلسفة وخصائص التربية في آن واحد، هذا المولود هو " فلسفة التربية" Philosophy of Education ".15
فلسفة التربية.
يعرّفها جورج بوشامب بأنّها: مجموعة من الإفتراضات أو المقترحات، وتتكوّن من نظرة فلسفية إلى طبيعة الإنسان والمعرفة والأهداف وطبيعة المجتمع."16[3]
أمّا النجيحي فيقدم التعريف الآتي:"" النشاط الفكري المنظّم الذي يتّخذ الفلسفة وسيلة لتنظيم العملية التربوية وتنسيقها وإنسجامها، وتوضيح القيم والأهداف التي تنشد تحقيقها."17[4]
بمعنى أنّها محاولة جادّة للوعي بالمحرّكات الأساسية للعمل التربوي سواء من داخله، أو من داخل البنية المجتمعية في إطار من التحليل والنقد القائمين على إستخدام الأدّلة العقلية والبراهين المنطقية، والإلتزام الدائم بمحاكاة الخبرة التربوية على أرض الواقع، إنّها فلسفة عملية تلامس الحياة الإنسانية بكل تفاصيلها وحيثياتها.
وظائفها.
فلسفة التربية شأنها شأن الفلسفة العامة (نظرية، تحليلية، وإرشادية)18[5]، وهي ذاتها وظائفها الثلاث من خلال كونها:
1/نظرية تأمّلية: عندما تسعى إلى إنشاء نظريات عن طبيعة الإنسان المتعلّم، والمجتمع، والعالم المحيط بنا، لكي تفسّر أو تؤوّل بواسطته المعطيات المتعارضة أو المتضاربة للبحث التربوي والعلوم التربوية.
2/ تحليلية نقدية : عندما توضّح القرارات أو المقولات النظرية والمبادئ والأسس الإرشادية، فالتحليل يوقد إمتحان عقلانية أفكارنا التربوية وتوافقها مع الأفكار الأخرى معتمدا "المنهج النقدي"19[6] ، أي أنّ وظيفتها التحليلية تنطلق أساسا من دراسة مشكلات الواقع.
3/إرشادية: عندما تعيّن الغايات التي ينبغي على التربية الوصول إليها والوسائل التي تتوصل بها لبلوغ هذه الغايات، بمعنى أنّ"غايتها إستشراف المستقبل."20[7]